حدث مؤخراً أن قام وفد من أسرة و احفاد القائد بخروش بن علاس ( 1170 -1230هـ تقريبا ) بزيارة إلى بني شهر بمحافظة تنومة تلبية لدعوة الشيخ علي بن فراج بن دهمان أحد أحفاد محمد بن دهمان الشهري الذي رافق النضال مع الأمير بخروش في وقفته مع الدولة السعودية ضد الاتراك ودورهم المعلوم الذي لا يخفى ، وقد تم استقبال الوفد الزائر بحفاوة تليق بمن دعوا أثلجت صدور الزائرين وقد أتت الزيارة اهدافها من ترسيخ دعائم المودة والتواصل بين من ينتسبون إلى تلك الأسرتين العريقتين وأن تكون لها أهداف أخرى غير معلنة ، فإنه من الجميل أن تجتمع الاصول لتخبر فروعها بتاريخهم وأنسابهم وأدوارهم الوطنية وخاصة عندما تملؤها المفاخر وهذا دور عظيم النفع في أن تتواصل الاجيال وتتعرف على ماضيها وهي تنوى الاستفادة منه باعتباره أحداث تفتخر وتتشرف بالانتساب لها، ولكن عندما تتعلق هذه الاخبار والمفاخر بالباحثين لأجلاء الحقائق وتوكيدها فإن الأمر يختلف كثيراً فعين الباحث تختلف عن عيون أخرى ثم تدفعه أدواته البحثية ومنها الفضول وطرح الفرضيات للوصول إلى الحقائق واعلانها بكل أمانة ووضوح ، وهذا يدعونا إلى ضرورة الوقوف على الحقائق حول أحد أبطال الدولة السعودية الأولى فعندما نناقش أحداث تاريخ تلك الحقبة فلا شك أننا جميعا نتفق على الدور الذي قام به القائد بخروش ورفاقه ولكن من دعائم أي بحث من بحوث التاريخ استنفار التساؤلات حول الموضوعات ذات الصلة بالقائد بخروش لان ما كتبه عنه الرحالة والمؤرخون نجدهم مروا عليه مرور الكرام حيث اكتفوا بتقديمه مدحاً وافتخاراً ولم يقدموا صورة كاملة مستوفاه عنه يمكن الاعتماد عليها ، فتجد حياة الرجل يكتنفها الكثير من الغموض و معظم المرويات حوله إنما هي ما توارثه الآباء عن الاجداد" الرواية الشفهية وهي "متناقلة مزيدة " وكثيرة هي علامات الاستفهام حول بخروش منها التساؤل أنه ما دامت قرية الرجل ومكانه معروفتان فلماذا لم يكن سرد نسبه واضحاً بشكل معلوم ؟ اذا انه يعترى هذا السرد وقفات، منها قلة الاخباريات حول نسبه ومن أي اللحام هو ومنهن زوجاته ومن ترك من الأبناء والبنات وأسرته ودرجة قرابة من ينتسبون إليه فلا يمنع أو يقلل من هذا الشأن أن تطلب معلومات وتستوفى اجاباتها بحقها وكذلك التساؤل عن شكل الحياه الاجتماعية بشكل عام في زمنه وبشكل خاص عن صفاته وإمارته وحكمه وحروبه ودوافعه تجاه تلك الحروب وهناك تساؤل ملح عن كيفية القبض عليه وهل أسر أم وقع تحت حصار شديد ؟ أم كانت هناك خيانة من بعض المحيطين به من الأعيان ، وختاما فانه في راي الشخصي أنه : قد ينبغ شخص ما في مجتمع يتمرد على الواقع ويرفض الظلم والجور يتمتع بصفات تميزه عن غيرة ويكون فريداً في طبعة قوياً في شكيمته يأبى الضيم ويرفضه يقوده إلى ما يقومه ويرفع من شانه في صور متعددة كأن يطرد غازياً أو يواجه معتديا فيؤيده الجميع وينصرونه اذا كان الأمر الطارئ يتعلق بحد ود وحمى المكان الذي يسكنه أو القرية والقبيلة ، اما اذا كان الأ مر خارجيا "غزو خارجي " فعادة يقابل بالرفض والمعارضة وقد يصل إلى حد الخذلان أو يتهم من يدعو لذلك بالجنون ، بأسباب أنه أتى بأمر على غير المألوف وهذا ما حدث بالفعل مع القائد بخروش بن علاس الذي اعتبر أنموذجاً في النبوغ والعبقرية والشجاعة والإباء على الضيم ، ومعروف أن الإباء على الضيم خلق محمود أينما حلَّ ، موطنه نفوس الرجال المنوط بهم تدبير شؤون الأمة ، وتنفيذ ما يحقق آمالها، وإنما ترزح الأمة في هاوية الاحتلال الأجنبي، إذا وقع زمام أمرها في يد من صغرت همته، فلا يغضب للضيم الذي يلقى على عاتقه، ويسوق الأمة بعصاة إلى جهل وفقر وشقاق ، كما يجب أن يفهم أن تفاضل الأمم في التمتع بالحرية والسلامة من أرجاس الضيم، على قدر ما تلد من أبطال، وما تعده من أدوات الرمي والطعان وفي إشارة لبعض المنظرين من علماء النفس أن المجتمعات يقودها من ابنائها العباقرة والقادة والمفكرون ، ولا بد ان يكون في معظمهم نبوغ وجرأة وهم نسبة قليلة قدرت في بعض الدارسات بنسبة خمسه في المئة في أي مجتمع يتصفون بالإقدام وصناعة القرار منذ الصغر وهي صفات ملازمة لهم ومن هذا المنظور اعتبرت بعض الدارسات النفسية أن الصفات الوراثية تورث أحيانا وتنتقل من الاجداد للآباء للأبناء وخاصة صفتي الشجاعة والكرم وهما أهم الصفات الاجتماعية المطلوبة باعتبارها من الطبائع الشخصية فيكون الأبناء من بعدهم متشبثين ومفتخرين بتلك الصفات ويبالغون فيها ويعتبرونها ميزة في الأصل العرق والدم وان كان الاجداد الذين تحلوا بتلك الصفات كان تحليهم بكفاح ومكابدة فرضتها طبيعة الحياة وطبائع أنفسهم وشظف العيش ونسجت حول ذلك قصص متوارثة ظن "الابناء" من بعدهم أنها نسقا وراثيا وجينات بيولوجية تميزهم دون غيرهم فركنوا عليها. وتبقى الحقيقة قيد البحث والترجيح إذا ما توفرت مصادرها ووثائقها .
المؤرخ: عبد الحي إبراهيم الغبيشي