أرثيك يا رجلاً توارى ذِكرهُ // بين الأنام وهل يفيد بيانِ

خالدٌ ولن يجود الزمان بمثله // شهماً شريفاً طيفه أشجانِ

قينان ياعلماً عرفنا قدره // رحمة من الله تُسكنه اعالي الجينانِ

لن نقول وداعاً ابا عبدالرحمن بل ستبقى الذكرى وصور المحبة شامخة في الذاكرة مع امل اللقاء في دار الخلد فلولا الصدمات لبقينا مخدوعين لمدة أطول... ولكن لنستفيق هرعاً إلى الله.. نعم هي لحظات واخبار قاسية لكن أمر الله... ويبقى عزاؤنا الوحيد فيما ترك من أرث تاريخ يخلد ذكراه وتتناقله الاجيال. 

أول من بادر في كتابة تاريخ زهران  أن لم يكن تزامناً مع كتاب محمد بن مسفر وعن ذلك ذكر  لنا حكاية انا ومجموعة من المثقفين  لعلها كانت له حافزاً ودافع للبحت والتأليف : يقول كنت  في يوم من الايام انا والزملاء  في مكتب (احد زملاء العمل) وجاء ذكر التاريخ  وتحدثت عن قبيلة زهران يقول قاطعني الحديث بسخرية وقال : " انتم يا زهران لكم تاريخ ؟ " قال اثارتني تلك العبارة  ومن ذلك اليوم  دخل موضوع كتابة التاريخ في ذهني وشرعت في البحث والتأليف وانتهيت من اصدار الكتاب  في  عام  1389هـ وبعد ذلك نما إلى علمي أن محمد مسفر  ينوي اصدا كتاب عن تاريخ زهران مما تسبب في تأخير طبع كتابي إلى عام 1392هـ، وقد استطاع بعدها وبجهود مضنية  أن  يتوالى في اصدار الكُتب حتى اصبح من الرواد الذين أثرو المكتبة والمنطقة  وكان من مؤلفاته خمسة كتب :  حيث صدر كتابه الأول منذ نصف قرن تحت "عنوان دراسة شاملة عن قبيلة زهران " عام 1392هـ وكان وقتها نادراَ وله وقع خاص بالرغم من بساطة التأليف، يحتوى الكتاب على خمسة فصول  يتحدث عن تاريخ وقبائل ومجتمع وطبيعة زهران واتذكر انني كنت اقرأ كتابه الاول وانا ابن المرحلة الابتدائية  ومما ركز في ذاكرتي من تلك الفترة قصيدة يا فلسطين  للشاعر محمد بن دغيثر:

 يا فلسطين ما نرضى المهانة ونرضى بالسلام،

كيف صهيون يحتل ارضنا ثم نقبل له سلام

ثم اصدر كتابه الثاني  (بيت من زهران عمرو بن حممة الدوسي) عام 1421هـ  ويعتبر من أوائل المؤرخين في المنطقة الذين أماطوا اللثام عن زعيم دوس وحكيم العرب في الجاهلية  الذي قُرعت له العصى  ثم صدر  كتابه الثالث (قبيلة من زهران - بني كنانة) صدر عام 1426هـ.  تكلم فيه عن نسب القبيلة وتاريخها وشداتها واسواقها ومشاهيرها وكل ما يخص حاضرها وماضيها ، ثم اصدر عام 1436هـ كتابه الرابع بيت من زهران الجزء الثاني (أحمد بن فاران الدوسي)  تناول فيه أحد رموز الكرم والشهامة في زهران  ثم اصدر كتابه الخامس عام 1438( اعلام من زهران) كتاباً قيماً ومفيداً وضع فيه  خبرات وتجارب السنين الطويلة، ويأتي الكتاب في ثلاث فصول تناول أربعه وثلاثين علماً من أعلام زهران ستة منهم اشتهروا قبل الإسلام وخمسة في صدر الإسلام وكان النصيب الاكبر لثلاثة وعشرين شخصيه خلال القرنينٍ الماضيينٍ كان لها شأن وحضور مميز في خدمة المجتمع،  وكان له في هذا الكتاب لفته كريمة تمثلت في إهدائه الكتاب إلى روح المؤرخ الراحل الأستاذ علي بن صالح السلوك الزهراني - رحمه الله-   اضافة إلى ما كان له مشاركات  واسعة  في الصحف والمجلات كعكاظ ،المدينة ،و مجلة الباحة تصدرها الغرفة التجارية ، وكان قائم على منتديات الديرة  مشرف وعضو فعال  وكذلك انباء الباحة  وغيرها وقد اشبع  تاريخ المنطقة وتراثها العريق  وله  درايه ومعرفة بالرجال ومشاهيرهم  سوى في الكرم والشجاعة أو في الشعر الشعبي ، ولم يكتفي بالمحلية بل كان له السبق في البحث في تاريخ عُمان وله مُكاتبات مع بعض مؤرخيها وقد استضافوه  واحتفو به وكُرم  في الوقت الذي لم يُكرم فيه في بلده و منطقته او تواصل زهران وحسب علمي ان لديه مسودة  كتاب عن قبائل زهران في عُمان كان يريد اصدرها

 اضافه إلى ما يمتلكه من مقومات البحث يتحلى بأخلاق اقرب ما تكون إلى اخلاق العلماء  سوى على المستوى الشخصي أو على مستوى البحث و المهنة  تجده دائما يتحرى الصدق والأمانة  بشوش  متواضع وقوراً ذو سمت  حسن صدره يتسع  للجميع  محفزاً لكل من يكتب عن تاريخ المنطقة  لقد حصل لي الشرف بان كتب مقدمة كتابي تحفة البيان عن تهامة غامد وزهران  بأسلوب بلاغي  بديع  وكان لي شرف حضور تدشين  كتابه الأخير  انا ومجموعة من المثقفين الذين اطلقوا عليه حينها لقب" شيخ مؤرخي زهران "  كان يرحمه الله  لا يحب الجدل ويقبل النقد يتحشى الشهرة والذيوع في الوقت الذي طغى فيه من يكتب ويتكلم  عن التاريخ لعدة دوافع وذلك إما لمجرد الرغبة  في الكتابة أو للشهرة  ولقد طفى على السطح الكثير من الزبد حتى اصبح  التاريخ بين الهضم والمبالغة  ، وما يميز كتابات  الخال قينان التثبت من كتابة التاريخ وامانة النقل وبساطة الفكرة ووضوح الاسلوب واعتماده على الرواية الشفهية وتقصيها والصبر والداب الكبيرين في جمع المادة وقوة حفظه القيفان والقصائد ، كان يرحمه الله صاحب همه عالية وروح تواقة إلى العُلا والمجد والسُدد وفي الختام نسأل الله له أن يتقبله في الشهداء ويجعل ما أصابه كفارة لذنوبه ورفعة في درجاته.

المؤرخ: عبدالحي إبراهيم الغبيشي