لا تعجب ولا يحزنون ..
قالها لي صديقي الذي كنت (أدردش) معه عبر الهاتف، عندما جاء الحديث عن بعض التغريدات في توتير، والطروحات في سناب شات، وبعض المقاطع التافهة في يوتيوب لأناس من الجنسين، درجوا على تسويق تلك التفاهات، ودلقها فوق ملامحنا - ليل نهار - دون أن يجدوا من يلجمهم .
.
أولئك التافهون ... درجوا على بيع بضاعتهم المزجاة تلك، في ظل توفر وسائط نقل ميسورة تنقلهم سريعاً إلى المتلقي، وساهموا بدرجة كبيرة في تسطيح العقول رويداً رويداً ومازالوا .. وإذا ما استمروا فستكون بضاعتهم تلك هي (السائد) ..وما غيرها من الثقافة الجادة العميقة هي (النشاز).
وهنا مكمن الخطورة، وبداية الشرر ...
.
أعرف أن هناك متابعات مُقدّرة مشكورة، من الجهات الرقابية والتأديبية والقانونية لمنصات التواصل الاجتماعي، ولكنها برغم جهودها الكبيرة التي تشكر عليها قد لا تكفي، ولابد من مشروع آخر يكون من نتائجه صناعة رادع ذاتي لدى كل أفراد المجتمع .. من خلال تأصيل الوعي، وتكريس الطرح المتوازن العميق، ومحاصرة الطروحات السطحية الساذجة والمعيبة.
.
وإذا ما صحت الأخبار فهي كارثة .. أن يتم استضافة ودعوة بعض صناع الثقافة السطحية إلى شركات الإعلان ودفع مبالغ لهم وثمن الإقامة والإركاب، وكأنهم نجوم لامعة في سماء الوعي.
ثم بعد ذلك يقوم أولئك السطحيون بتوقيع إعلانات مع تلك الشركات ....
.
ومن الأخبار ما يقال أن لأولئك حظوة خاصة حتى في الحفلات المجتمعية، حيث صاروا يتصدرون المقاعد الأمامية، ويتم استضافتهم تلفزيونيًا .. فيما المثقف الحقيقي والإعلامي الرصين يعيش في الهامش ..
.
كل ما تقدم إن صح .... فإنه اسهام حتى ولو كان بغير قصد لـ "تمكين ثقافة التسطيح" .. وتجاهل الثقافة الرصينة، وبالتالي فإن (لعبة الكراسي) تكون قد حضرت – مع الأسف - بكل قتامتها وسوداويتها.
ومعنى ذلك أننا كمجتمعات قد رضخنا للرأسمالية العالمية، التي لا يهمها سوى المال ولو كان مقابل الوعي، في "براجماتية" كريهة .. في سبيل الترويج لمنتج كاسد أو غير ناجح، عبر عملائها من رواد الثقافة التافهة.
.
لا يجب حقيقة أن (نغسل أيدينا) من قضية محورية كهذه، وهذا التزام أخلاقي وأدبي بأن ننافح عن الثقافة الرصينة، وأن نسعى لعدم تمكين مشاهير السوشيال ميديا من الزحف إلى الصف الأول، لمجرد أنه من "مشاهير الغفلة"، وله متابعين كثر استقطبهم في غفلة من الزمن.
.
لدينا ولله الحمد مثقفون ناجحون، وشباب وشابات متميزون، برعوا في كل حقول المعرفة، وفي برامج التعليم والإدارة والتطوع وغيرها، وهم الأحق بأن يكونوا المقدمين - وأولئك هم المهمشون.
.
الأمانة التاريخية ... أن نقف بقوة في وجه كل من يحاول "استلاب" عقل المجتمع، وقلب موازينه المنطقية.
الكاتب : أ. بخيت طالع الزهراني