بعد شهرين من الحجر المنزلي رحت أبحث في قوقل عن معنى السعادة، وفجأة برز أمامي على سطح الشاشة علامة الإستفهام "؟" مما اضطرني إلى إيقاف بحثي. وبلا مقدمات حدثتني قائلة: مسكين أيها الإنسان، ما أن تحوز مالاً أو تبني بيتاً اوتملك سلطة حتى تمتليء غروراً وتظن أنك قبضت على السعادة!! يجنح خيالك إلى الآفاق بحثاً عن السعادة، تطلبها في الأشياء البعيدة، وتظل تطاردها، ولا تجد في كل مرة إلا السراب، مع العلم أنها قريبة منك وفي متناول يديك!
انحنت تجاهي، وبلا تفكير تراجعت إلى الوراء خوفا أن تلمسني، ضحكت عندما رأتني مرتبكاً وقالت في حنو؛ لا عليك.. لن أوذيك، كما ترى لا أستطيع الخروج، إنني فقط مشفقة عليك.
تنفست بعمق، واستعدت شيئا من الهدوء عندما تأكد لي سلامة قصدها.
- ياعزيزي؛ لقد لاحظت من خلال موقعي اشتغال الناس بأمور للأسف لن تجد فيها سلامها الروحي، وقد تركت الأهم!
اتدري ما هو الأهم؟
فاجأني سؤالها وأجبتها بسرعة وقلت؛ لا أعرف!
قالت؛ إنها أنفسكم.. نعم، لقد نسيتم أنفسكم!، الحقيقة الغائبة عن قلوبكم!!
لذا أنتم محتاجون في هذا الظرف المزعج إلى وعي جديد ربما يساهم في تغييركم للأفضل.
وضعت يدها على رأسها كمن يفكر بعمق وقالت ببطء:
التفت إلى نفسك، كررها مرتين، اقترب منها بهدوء، لا تزعجها، دللها، خاطبها برفق، اعتني بمخاوفها، اصغ الى حديثها الداخلي، لا تزعجها باكراهها على ما لا تحب.
تنحنحت وقالت بصوت خافت؛ ُاستمتع بمباهج الدنيا، عش اللحظة، خذ عندك مثلا؛ اشرب فنجان قهوتك بكامل تركيزك، تلذذ بطعمها، دع بقايا السكر تذوب في فمك حبه حبه، تذوق لذعة البن بكل حواسك وابتلعه على مهل، لا تشتت ذهنك وتذهب بعيدا بتفكيرك، ابق يقظاًحتى آخر رشفه.. هنا تكمن السعادة!
- هل جربت مخاطبة الناس بالكلمة الطيبة؟
لم تمنحني فرصة الجواب ومضت في حديثها قائلة؛ اسمع مني هذا؛ إن اردت استعباد قلوب الناس فأحسن إليهم بالجميل، أنا أعرف أنها تبدو صعبه في البداية، لكن جربها أولا مع زوجتك وأولادك، أدعهم بأحب الأسماء إليهم، ابتسم في وجوههم، أشكرهم إذا قدموا معروفاً، احترم خياراتهم أنصت إليهم... وشيئا فشيئا وسع الدائرة، اذهب بها إلى الأقرباء والأصدقاء والزملاء والشارع، صدقني سوف تصبح عادة ملازمة لك، وسترى إستحابة عذبا وودودة.. جرب، لن تندم، ستدهشك النتائج وتغمرك حينها السعادة!
تنهدت تنهيدة قصيرة وقالت في حزم؛ على فكرة، لن تسير الأمور كلها على ما يرام فارجوك لا تتهمني بالخداع! العالم الذي اعتد عليه لن يتحول كله فجأة إلى ملائكة، لن يخلو من السيئين، أبدا.. ولو فرضنا جدلاً أنهم اختفوا فمالذي تتوقع حدوثه؟!
طبعاً، نفقد احساسنا بثنائية الأشياء فالنور لا ندركه إلا من خلال وجود الظلام، والخير لا نشعر به إلا إذا عرفنا الشر!!
وقبل أن تهم بالمغادرة قالت في شيء من الحذر؛ لكن انتبه! من الطبيعي أن تقع في الأخطاء وينتابك الحزن وتتألم وتغضب.. لأنك ما زلت تتحرك داخل اطار إنسانيتك، يدور مزاجك في فلك النفس البشرية المتناقضة.. لكن لا تبتئس.. لا تبتئس يا صديقي، اسجد لله طويلاً وادعه بما تستطيع، ستغتبط روحك في الحال وتشعر بالرضى في داخلك، وتخف كثيرا وطأة الحياة الثقيلة عن كاهلك ولحظتها حتما سوف تتضاعف سعادتك.
أ.محمد جبران

حكاية سؤال “؟”
Permanent link to this article: http://www.albahanews.info/articles/%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%b3%d8%a4%d8%a7%d9%84-%d8%9f