تعتبر القرى التاريخية والتراثية من أهم الآثار في منطقة الباحة وهي قصة حياة مجتمع نستطيع من خلالها معرفة الكثير من الأحداث التاريخية وانماط الحياة الاجتماعية وخاصة التراث العمراني   يعتبر دليل هام لمعرفة تاريخ الأمم وتحضرها، اضافة إلى ما تعكسه تلك القرى من قوة وجسارة وحرفية وصمود وإرادة أولئك الرجال الذين عاشوا تلك الحقبة وعمروها على الأكام والجبال و الصخور - لم تبنى على جرف هار وانما على أشد ما في الارض صلابة -  

والقرى والحصون والقلاع الأثرية منتشرة في منطقة الباحة ولم تحظ بالرعاية  التي تستحقها بالرغم من انها  من أهم مقومات السياحة والحفاظ عليها وعلى التراث مطلب وطني ومسؤولية جماعية تشترك فيها هيئة السياحة والبلديات والأهالي ،  وللأسف  اندثر الكثير منها ونال اغلب منازلها التهدم والإهمال و العبث ، و اذكر هنا ما قاله القاضي أبو يعلى المعري  في العصر العباسي : عندما مر يوماً بقرية  يُقال لها "سِياث" من أعمال معرّة فوجد أناسا يهدمون  بالمعاول مبانيها القديمة  ليعمروا بها مباني حديثة - وهذه العادة كانت منتشرة عندنا في الماضي - فأنشد هذه الأبيات التي تدل على وعي صاحبها بقيمة التراث:

مررت بربع من "سياث" فراعني ..... به زجل الأحجار تحت المعاول

تناولها عبل الذراع كأنما رمى ..... الدهرُ فيما بينهم حرب وائل

أتتلفها؟ شّلت يمينك ! خّلها ..... لمعتبر، أو زائر، أو مسائل

منازلُ قومٍ حدثتنا حديثهم ..... ولم أر أحلى من حديث المنازل

وما قرية بدادا الواقعة في سراة دوس التابعة لقبيلة بني منهب إلا واحده من تلك القرى بل هي من أهم المعالم الأثرية لما تتميز به من موقع شاهق سياحي جذاب يشرف على مناظر خلابة من غابات وجبال وقرى واودية اتمنى من الجهات المسؤولة ترميمها وصيانتها وجعلها مقصد للزوار ومرفد من روافد السياحة مع الاحتفاظ للأهالي بحقوق الملكية  ، كنت قد وقفت على اطلالها  ضمن رحلة تاريخية انا والباحث محمد العسعوس والاستاذ محمد بن مرادم  بتاريخ 13/12/1441هـ.

كانت قرية بدادا تعرف في الماضي بإسم (دارالنُصب) اتخذ الإسم من صفة المكان ذلك النصب الذي تقع في رأسه اما عن اسم" بدادا" فهو الاسم الأشهر و النسبه إليه "البدادي " عرفت به مؤخراً  ومن معاني الكلمة :  بدادا وجذرها اللغوي  بدَّدَ   وهي من الكلمات النادرة الاستخدام ،  قال تعالى  في سورة يوسف  اية رقم 35 " ثم بَدَاَ لَهُم  بَعد مَا رَأوُا الآياتِ ليَسَجُنُنه حَتى حِيٍن " والبِداد النصيب من كل شيء، بدد تعب ، بدًد الشيء فرقه ، البَداد المبارزة... وقد تكون كلمة بدادا مركبه تركيب  مزجي من كلمة ( بدأ  و- داء )

 و بدَأَ : "فعل " ب يَبدأ، بَدءًا وبدأة وبِداية فهو بادِئ  ظاهر , و كلمة  داءَ ودَاءً  وداَءةً  فهو  داءٌ جمع أدواء وهو المرض ظاهراً  وباطناً ! فهم يبدون ويظهرون الداء في اعدائهم يقول الشاعر بن جبران : 

قال احمد أم  جبران 

يا حنطة بدادا حملوها من بدادا أمس

هنيت لأهلك حن ما عسر بداهم

ينزعون الماء بدالي

لا برحوا لك في جرن زهران بِرواح

الشاهد هنا ما عسًر بداهم أي ليس عسير ما ابتدؤ وظهروا به وان كان هنا يقصد المحصول لم يتعثر في الجرين وقت الدياس 

 والشاهد الثاني في الرد ( ياذا المداوي  إن كان في عظمي بدأ - داء) فهو هناء يشير إلى البدأ  أي الظهور والى الداء المرض! يقول : احدهم هم الداوء لمن صادقهم والداء لمن عاداهم.

وقرية بدادا القديمة هي قرية حصينة ذات مَنَعة  تحتل موقع مهيب  كأنه مرقاب ، تقع  منازلها على نصب  يشرف من الناحية الجنوبية على هاوية شديدة الانحدار مجموعة من منازلها  تنتظم على ذلك النصب وتتكون من طابق وطابقين وسافله وهي مشتبكة اشبه ما تكون بقلعة يتوسطها حصن سويد يتكون من أربع ادوار ويتخللها مجموعة من الطرق والمساريب الضيقة ويحاذيها من جهة الشمال مجموعة اخرى من المنازل وحصن  وبيوت الفَضَله  الذين فيهم عرافة القرية  ويعتبر حصن الفضلة  أهم حصون القرية  فيه مرابط للخيول ومستودع  استراتيجي للقرية ومستودع للذخيروكذلك حصن القاسي ومجموعة من الحصون جميعها مزوده  بأبراج  للمراقبة واغلب تلك الحصون حربية ، اضافة إلى ذلك فأن دور بدادا وحصونها كانت مرسى وواجهة للكرام الضيوف وإغاثة الملهوف ومعاونة المحتاج واحتضان الجار، من أشهر معالم وحدود قرية بدادا جبل ظهر الغداه من الشمال ومن الجنوب تشرف على قرى بني لؤي القامة وقرية عمضان مقر مشيخة آل خضران ومن من الغرب وادي ثروق ومن الشرق بني فهم وبالطفيل ويتفرع من قرية بدادا قرية الوكف وقرية قريده والقعرة ويحيط بها العديد من المزارع والحصون وموارد الماء.

وقرية بدادا القديمة آهله في القدم وهي ذات عمق تاريخي  وماضي تليد  يشهد على ذلك شجاعة  وبسالة اهلها وفراستهم في اختيار موقعها  وهم أهل مراس في الحروب  يقول المثل : "صبًح بدادا من يمانيها " وهي درع  وحصن لقرى دوس المجاورة وقد شهدت احداث  ومعارك كثيرة كغيرها من قرى دوس  وقد عصت  بدادا  وامتنعت عن دفع الزكاة   للأتراك أكثر من مره مما تسبب لها في حروب  ولقد حدثني الشيخ خضران  بن يحيي والأستاذ مشرف بن عصيدان أن قرية بدادا شهدت وقعتين نالوا الأتراك  فيها شرهزيمه احدها عندما تصدو لهم رجال قرية بدادا البواسل بعد معركه حاميه ، فاتفقوا بان يجتمعوا ويسمعوا لمطالبهم فوافق الجميع و استدرجوهم  في احد  منازل القرية وتم حرق البيت بمن فيه ولم ينجوا احد من الاتراك ، والاخرى كانت عام 1300هـ  على اثر تلك الحملة التي قاده  محمد عارف على وادي ثروق  وقرية بدادا  تحاربوا هم واهل بدادا حتى انتهت ذخيرة الطرفين ورجعوا يترامون  بالأحجار و قتل فيها  من الأتراك ما يقارب الثلاثة والخمسين  واستسلم  محمد عارف يقول شاعر دوس  سعيد بن سالمين  في ذلك عندما رد على احد الشعراء في قصيدة : (والترك ظلوا ورانا في الحيلة تهاوى اشنابها) .

 سلمت يا نمرا وكفه بحلق العود اللظماء عَالِقه

ونحن كماكم يوم جاء عارف المذكور في ساحة بدادا

يوم غلق البندق صدرنا على الدوقي تهاوشنا بها 

ويقول  في ذلك سالم الفديم :

اينحن دوسين واي كسرة الدولة جت من عندنا

حيٍر الباشه من رهوة بدادا ومن وادي الوكف

قال هذا جبل دوسين ما عاد لي في دوس غاية

وأختم بهذه القصيدة قيلت حديثا في قرية بدادا للأستاذ سرور بن محمد هادي:

 سلام يا قرية مشهورة في قرى دوس ..... الله رفع قدرها بين القرايا لها اسمين

 الإسم الاول بدادا في قلوب المعادين ..... والثاني دار النصب نصبا من الماء روينا

واجدادنا سطروا تاريخها مدح وامجاد ..... حمو على حدودها والفيض والبو حماية 

وردوا أهل العماية والخطأ والمظلين ..... خلو الشريك الموالي يقطع الياس منها 

الكاتب : أ. عبد الحي إبراهيم الغبيشي