معرفتي بالمؤرخ الراحل قينان بن جمعان الزهراني، تعود لحوالي عشرة أعوام مضت، عندما زارني في صحيفة البلاد – عندما كنت سكرتيرًا لتحريرها – يطلب منا نشر مقالٍ له حول التاريخ.
.
لمست فيه – حينذاك - روح الباحث الجاد، صاحب القلم الرصين، والرؤية العميقة، وبالفعل تم نشر مقاله، ثم نشرت له مقالات أخرى لاحقًا.
.
ثم توطدت علاقاتي به على المستوى الشخصي، وبدأت شخصيته تتكشف لي أكثر .. وإذ بها قصة جميلة من قصص العصامية الحقة . علّم نفسه بنفسه، وتنامت مهاراته، واتسع أفقه، من خلال انكبابه على المراجع التاريخية تارة، ثم وقوفه شخصيًا على آثار كل مكان تاريخي يود الكتابة عنه، ثم بمقابلته للناس، وخاصة من ذوي المعرفة، ليلتقط منهم شهاداتهم حيّة على التاريخ.
وهذه – حقيقة - هي مواصفات الباحث الحصيف، الذي أمسك بكل أركان البحث العلمي الرصين.
.
ظننه في البداية قد درس التاريخ في الجامعة، لأفاجئ بأنه ممن اكتفى بدراسة المرحلة المتوسطة، وذاك مما زاد دهشتي واعجابي برجل جهبذ، لم ير في الدراسة النظامية سوى مفتاحًا، يقوده للإبحار بجهد شخصي لافت، فوق طرقات البحث التاريخي، بأكثر وأعظم من متخصص جامعي.
ثم ازدادت دهشتي وأنا أسمعه يروي لي طرفًا من قصة حياته العملية العسكرية ،التي بدأت بجندي وأنتهت بضابط بدرجة ملازم أول.
.
وهذه وتلك ما جعلني احتفي به أكثر، وأتمسك بصداقته .. فالعصاميون أمثاله يظلون ممن يدنيهم الناس منهم عادة، ويفخرون بهم، كونهم شقوا طريقهم في الصخر - ينحتونه بأظافرهم.
.
المؤرخ الراحل قينان الزهراني ... من جيل ولد وليس في فمه ملعقة من ذهب، هو من جيل خطت قدماه حقولًا من الشوك، فاجتهد وكافح وعمل، في تحدٍ وصلابة، حتى أخرج لنا وللمكتبة السعودية والعربية خمسة كتب، ستظل من المرجعيات الهامة في تاريخ الجنوب السعودي، ومنطقة الباحة، وبلاد زهران.
.
مثل هذا العَلم يستحق أن يكتب عنه، وأن تدون عنه المقالات، بل وتكتب عنه البحوث، وليس كثيرًا أن يسمى باسمه شارع من شوارع مدينة المندق، القريبة من معقل ولادته، وضمن قبيلته - قبيلة بني كنانة.
.
رحم الله صاحب الخلق الجم، الذي إمتلك المجد من أطرافه.
بخيت طالع الزهراني
مؤلف وكاتب صحافي
1 ping