“من ذاكرة شتاء القرية”
كان صرير رياح الشتاء وهبوب الأعاصير ورذاذ المطر المتسلل في سواد الليل يرهب القلوب..!! إلا أنها كانت البشارة بحلول الخير ومواسم الربيع.
كانت تُفتّح الأبواب عند شروق الشمس فيفوح من خشبها رائحة مطر المساء فتشرق الوجوه فرحا وكأنما خلقت الدنيا لها..!!
في تلك الأيام الخوالي دونت ذاكرتي وجوه العابرين وأصواتهم في الطرقات والساحات، وبكاء أطفال جوعى خلف أمهم الذابلة والمنهكة، وثغاء أغنام وهي عائدة إلى "المراح"..!!
وعلى الرغم من بعد المسافات ومرور الأعوام إلا إنني مازلت أحس بلسعة هواء بارد في جسدي كلما رأيت في مرايا ذاكرتي غيوم الشتاء الداكنة وهي تقترب من الأرض وتلامس الجبال، والرياح الباردة تعصف بسنابل القمح الخضراء فتنحني بها إلى الأرض ثم تتركها لترتفع وتقف..!! ومازلت أشعر بالحنين كلما شاهدت في مرايا ذاكرتي دخان نار "الخبزة" وهو يتنفس من قلب البيوت العتيقة ويتلوى صاعدا إلى الفضاء..!! ومازلت أشعر بالدهشة البريئة كلما لمع في مرايا ذاكرتي بقايا ضوء الشمس الخافت قبل غروبها وهو يكسو قمم الحبال وأسطح البيوت العالية كأكاليل الورود..!!
إنني مازلت أتحامل على نفسي كي استجمع ما تناثر من تلك الصور التي عبث الزمان بروحها -لكنها تقسوا علي الجراح- حينما أتذكر المفقودين الذين التصقت أرواحهم بالأرض قبل أجسادهم..!! لقد ذهبوا بتاريخهم وأغلقنا الأبواب من بعدهم فلم يعد بيننا من ينتظر مواسم الربيع.!!
2019-12-16 2:44 ص
أ.محمد جبران
This post has no tag
0
61447
Permanent link to this article: https://www.albahanews.info/articles/archives/47706295